دائما ما تظهر في الأفلام تجارة المخدرات كمهنة تدر ثراءا فاحشا ولكن إذا أتخذت إختيارات غير موفقة في شبابك ووجدت نفسك على طرف الطريق تشتري مخدرات غالبا ستجد أن البائع لا تبدوا عليه اي مظاهر للثراء فما السر الذي يدفع شاب في مقتبل عمره أن يعمل بمهنة منبوذة إجتماعيا مليئة بالمخاطر بدون مقابل مادي يناسب هذه الأضرار؟
سودير فينكاتيش باحث دكتوراة من اصول هندية في جامعة شيكاجو قام بدراسة إقتصاديات تجارة المخدرات من خلال مرافقة إحدى عصابات الشوارع المتخصصة في بيع الكوكايين في شوارع المدينة لعدة سنوات.
وجد فينكاتيش أن مجال تجارة المخدرات يحتوي على تدرج وظيفي واضح. فهناك بائع الشارع ثم الرئيس (المعلم) المسؤول عن عدد كبير من بائعي الشارع وله مجموعة معاونين مختصين بالحسابات والأمن والتوصيل. بعد المعلم هناك تجار الجملة الذين يوردون لمجموعة من المعلمين ويتعاملون مباشرة مع المهربين الذين يجلبون البضائع إلى البلاد.
يعتبر هذا المجال مربح فقط في حالة الترقي الوظيفي والصعود لدرجة أعلى في السلم كمعاون للمعلم أو الوصول لمرتبة معلم ولكن على مستوي بائع الشارع فالدخل المتوقع بسيط وقد يساوي أو يقل عن دخل أي مهنة يدوية متاحة مثل العمل في ورشة أو محلات المأكولات السريعة.
ما يجذب الشباب لهذه المهنة أنهم في مناطق محرومة إجتماعيا يشعرون أن فرصهم في العمل المربح والترقي الاجتماعي شبه منعدمة بالإضافة إلى قلة الأعمال اليدوية المتاحة. أما وظيفة بائع المخدرات فعلى الرغم من إنخفاض دخلها في البداية فهي على الأقل تتيح فرصة لدخل مرتفع في المستقبل بالإضافة لشعور بالقوة والهيبة المصاحبين لمهنة من هذا النوع.
هؤلاء الشباب تواجههم قاعدة راسخة في سوق العمل. حينما يكون هناك عدد كبير من الأفراد مستعدين للقيام بوظيفة لا تتطلب مهارات خاصة فأن الدخل المتوقع منها حتما سينخفض .
هناك اربعة عومل رئيسية تحدد الدخل المتوقع من أي مهنة.
- عدد الأفراد المتوفرين للقيام بها.
- المهارات المتخصصة المطلوبة لمزاولتها.
- مدى جاذبية المهنة.
- حجم الطلب على الخدمة الناتجة عن المهنة.
الاتزان الدقيق بين هذه العوامل هو الذي يحدد الدخل المتوقع لأي وظيفة.
ولذلك نجد أن العاهرة مثلا تربح أكثر من المهندس المعماري في حين أن هذا المهندس على درجة أعلى من المهارة – على الأقل نظريا – وأكثر تعليما – نظريا أيضا – ولكن الفتيات الصغيرات لا يحلمون أن يكبروا ليصبحوا عاهرات. فالمهنة غير جذابة بشدة لأنها قد تعرضهم لعنف جسدي وتحرمهم من حياة أسرية مستقرة بالإضافة للمشاكل المتوقعة من السلطات. عدم جاذبية الوظيفة لهذه الدرجة يجب أن تقابله زيادة في الدخل المتوقع. وبالنسبة لحجم لطلب على خدماتها فيكفى أن نقول أن المهندس المعماري يحتاج لخدماتها أكتر ما تحتاج هي لمهندس معماري.
يمكن تطبيق نفس المبدأ على مهن الشهرة كالغناء والتمثيل والرياضة وصفهم الثاني كالإعلام والنشر والإعلانات. تجد أن شباب الممثلين مستعدين أن يعملوا بأجر منخفض أو حتى بدون أجر ولكن بإخلاص ولساعات طويلة أملا في ان يصلوا للشهرة أو نصف الشهرة في هذا المجال وغالبا إذا أدركوا أن لا أمل لهم ينسحبون ويتجهون للبحث عن فرص في مجال آخر. ومن حين إلى أخر تجد الممثل ذو الشعر الأبيضالذي لم تصله الرسالة ويعمل كسائق تاكسي لزيادة دخله من التمثيل.
الممثل الكومبارس والمحرر المبتديء وبائع المخدرات يلعبون نفس اللعبة. لعبة ذات قاعدة واضحة وصريحة. إذا أردت فرصة في الوصول إلى القمة يجب أن تبدأ من القاع.
——
ترجمة شخصية بتصرف من كتاب فريكونوميكس – Freakonomics
Be the first to comment on "مقال: إقتصاديات الأجور ولماذا تربح فتاة الليل أكثر من تاجر المخدرات المبتدئ"